حـنـيـن الـخـواطـر

{حـنـيـن الـخـواطـر}

صـوت قـديـمـ أقـلـق الـهـدوؤ فـي داخـلـي وجـدد فـي نـفـسـي تـسـاؤل أحـرجـهـا ..
مـن زاويـة الـحـيـرة الـتـي سـكـنـت فـيّ طـويـلاً جـلـسـت بِـ خـوف أرقـب فـي الآفـاق فـجـراً ..
يــريــح تـســاؤلاتــي .. ويــهــون مـعـــانــاتــي ..
تـسـاؤل يُـورث فـي الـذات سـؤالاً مـخـتـصِـراً بِـجـمـلـتـه كــل الـحـكـايـة ..
أيـن ولّـت أغـانـي طـفـولـتـي ؟.. وأيـن إرتـحـلـت أمـانـي روحـي ؟..

قـضـيـتُ سـنـوات رائـعـة وأنـا أنـسـج بِـ خـيـوط الأمـل لـحـظـات مُـشـرقـة لـلـمـسـتـقـبـل ..
تُـزهـر فـي ثـوانـيـهـا بَـهـجـة الأطـفـال .. وتـتـلألأ الأقـمـار فـي إبـتـسـامـات شِـفـاهـهـمـ ..
ويَـذوب الآسـى لِـرؤيـتـهـمـ يَـضـحـكـون بَـعـد بـكـاء .. ويَـلـعـبـون بَـعـد سـكـون ..
أتـراهـا الـطـفـولـة تـقـبـل أعـذاري ؟.. أتـرانـي سـوفَ أنـسـى ؟..
أتـرانـي سـوف أرضى بِـالـواقـع وأنـا الـتـي لـمـ أرضَّ بـه مـن قـبـل ؟..
أتـراه الــواقــع يــقــبــلــنــي فــي أيــامــه ؟؟ ..

يـا لـلـروحِ الـمـسـكـيـنـة .. مـن بَـعـد نَـشـوة الـفـرح وسـعـادة الأوقـات ..
صـارت تـقـيـمـ فـي دَهـالـيـز مـظـلـمـة ..
حـيـث الأمـل يـركـع عـلـى أبوابِ الـيـأس .. يـسـتـنـجـد بـه ..
آمـلاً أن يـحـل مـكـانـه فـي ذاتـي .. فـالأمـل لـمـ يـعـد يـقـوى تـشـبـث روحـي الـجـريـحـة بـه ..
لا أدري .. أهـو شـمـوخٌ فـي الـروح يَـجـعـلـهـا تـعـيـد الـنـظـر فـي طـمـوحـاتـهـا ..
وتـرسـمـ لـوحـاتـهـا مـن جـديـد .. وتـعـزف سـمـفـونـيـاتـهـا بِـألـحـانٍ أخـرى ..
أمـ هـو نـقـصـان وفــاءٍ فـيـهـا إن هـي فـعـلـت ذلـكـ ؟ ..

بِـ صـراحـة الـقـول .. لا أريـد لِـشـفـتـاي أن تـتـرنـمـ بِـلـحـنٍ لـمـ يـعـزفـه لـي أبـي ..
أعـتـقـد أن الـزمـن كـافٍ لِـيـقـمـع أحـلامـنـا ويـسـتـنـزف دمـوعـنا ..
فـلـمـَ يـا تـرى قـد نـرضـى بِـغـيـره كـي يـبـطـش بِـكـل لـوحـة وصـلـنـا بِـعـنـان خـيـالـهـا إلـى الـسـمـاء ..
يـا تـرى لـمـ عـلـيـنـا أن نـكـابـر ..
لـمـاذا لا يـتـركـنـا كـبـريـاؤنـا نـتـشـبـث بـكـل خـيـالاتـنـا الـتـي صـارت بـالـنـسـبـة لـي ..
عــالــمــاً لا أرنــو إلــى تــغــيــيــره ...
عـالـمـي الـذي وجـدت فـيـه شـمـوخـي بـيـن حـروف الـخـواطـر .. وإسـتـعـدت فـيـه أجـمـل لـحـظـات طـفـولـتـي ..

أتـدرون .. أحـيـانـاً نـهـرب مـن الأقـلامـ لـكـي لا نـنـزف مـزيـداً مـن الـدمـع ..
فـكـلـنـا يـعـلـمـ أن الـجـرح الـنـازف لا يـلـتـئـمـ ..
ولـكـنـنـا نـعـود رغـمـاً عـنّـا أو بـإرادتـنـا لِـنـكـتـب فـي بـيـاض الأوراق ..
تـفـاصـيـل حـيـاتـنـا بِـألـوانـهـا الـكـئـيـبـة ومـفـرداتـهـا الـمـقـتـضـبـة ..
أتـدرون مـا الـذي يـعـيـدنـا لـلـكـتـابـة بـعـد كـل سـاعـة هـروب ؟..إنـه حـنـيـن الـخـواطـر ..
ذلـكـ الإحـسـاس الـذي يـكـتـسـي أرواحـنـا لـتـغـرق فـي دمـوعـهـا ..
صـدقـونـي .. هـي لـيـسـت دمـوع حـزن ..ربـمـا هـي دمـوع إشـتـيـاق ..
إشـتـيـاق لـلـحـروف .. إشـتـيـاق لـلـكـلـمـات ..
إشـتـيـاق لِـسـمـاء لا يـشـوبـهـا إلا غـيـومـ تـتـحـدى الـيـاسـمـيـن فـي بـيـاضـهـا وجـمـالـهـا ..
إشـتـيـاق لِـريـشـة الـرسـامـ .. وهـو يـجـوب بِـريـشـتـه روابـي لـوحـتـه ..
حـائـراً .. لا يـدري .. كـيـف هـي الـعـيـون لـكـي يـرسـمـهـا ..
تـطـول الـحـيـرة فـي قـلـبـه .. وتـشـتـت الـظـنـون تـصـاويـر خـيـالاتـه ..
ثــمـ .. يـتـركـ تـلـكـ الـلـوحـة .. بـيـضـاء .. مـعـلـقـة فـي جـدار قـلـبـه ..
وقـد يـشـعـر بِـفـخـر كـلـمـا نـظـر إلـيـهـا مـن ثـغـوره الـبـعـيـدة ..
لأنـهـا لـوحـة لا مـثـيـل لـهـا فـي عـالـمـ الـبـشـر ..
فـلا ألـوان تـطـغـى عـلـى بـيـاضـهـا .. ولا رسـامٌـ سـيـدعـي أن الـطـهـر مـلـكـه ..
لأنـهـا مـحـفـوظـة بـيـن حـنـايـا روحـه .. وفـي خـفـقـات قـلـبـه ..

عـلـى أيـة حـال .. أنـا لـن أحـزن .. أتـدرون لـمـاذا ؟..
لأن وجـودنـا مـعـاً مـثـل قـصـر الـرمـال عـلـى الـشـاطـىء ..
مـهـمـا يـطـول تـألـقـه سَـيـأتـيـه فـي سـاعـة مـا .. مـوج ..مـن حـيـث لا يـدري ..
فـلا تـرى شـمـسـاً بـعـد ذلـكـ تـغـرب عـلـيـه أو تـشـرق ..
ولـكـن قـلـوب مـن قـامـوا بِـبـنـائـه سـتـظـلّ تـذكـره لأنـه سَيـبـقـى عـامـراً فـيـهـا إلـى الأبـد ..

أتـدرون .. أحـتـرق بِـإشـتـيـاقـي كـل ثـانـيـة أذهـب فـيـهـا لِـخـيـالاتـي ..
إشـتـيـاق يـسـلـب دقـائـق الـفـرح مـن حـيـاتـي .. ونـعـمـة الـعـافـيـة مـن بَـدنـي ..
فـهـمـ يـقـولـون .. " مـا أحـرق الـشـمـع إلا صـحـبـة الـفـتـلِ " ..
وأنـا أقـول .. مـا قـيـمـة الـشـمـع بِـلا فـتـيـلـه ؟..وهـل كـان لـلـشـمـع نـور لـولا وهـج الـفـتـل ؟..
قـد يـذوب الـشـمـع مـن صـحـبـتـه لِـلـفـتـل .. نـعـمـ .. ولـكـنـه كـان يـومـاً مـا مـنـيـراً بـهـا ..
وهـذا أفـضـل لِـلـشـمـع مـن أن يـدومـ بِـسـكـونـه بِـلا نـور ولا حـيـاة ..
وهـكـذا أنـا .. سـيـحـرقـنـي لـهـب جـنـونـي وغـرابـتـي ..
لـكـنـنـي كـمـا الـشـمـع .. سـأحـتـرق لأنـيـر ظـلامـ سـويـعـاتـي الـقـادمـة ..
الـتـي سـتـخـتـصـرهـا آلآمـــي لِـتـصـيـر قـصـيـرة الـمـدى ......

لا زال فـي حـنـيـن الـخـواطـر بـقـيـة كـلامـ .. لـكـنـي سـأتـركـه
لـلأقـدار عـلّـهـا تـحـدثـكـمـ عـمّـا فـي سـطـوره .. يـومـاً مـا .....

م ن ق و ل